الاثنين، 9 يوليو 2018

الفقير والخباز ودفتر السجل

كان يا ما كان في قديم الزمن، رجل فقير يسكن في قرية بائسة، و كان عنده زوجة الغبية ، قد كانت كثيرة السّباب عليه، و كان ذلك الرّجل يتحاشى إحضار الضيوف إلى بيته؛ خوفاً من إمرأته الغبية ؛ لأنها قد كانت تسب على الضيوف  حتّى ملّ الرّجل من تلك الحياة العفنة، وقرّر الهرب والرّحيل عن ذلك البيت. وفي الغداة الباكر خرج الرّجل من بيته، و هو يحمل صرّة ضئيلة تشتمل بعض ملابسه، لا يعني ناحية محددة، و إنّما أراد الإبتعاد عن بيته، سار، و سار، و سار دون هدى، و دون مقر يقصده، حتّى بلغ إلى قرية، و قد حل الظلام عليه، كان متعباً، جائعاً، متسخاً يملء الغبار ثيابه و وجهه. توجّه فور دخوله تلك القرية إلى الخباز - الذي كان ما زال سهراناً - إلتماس من الخباز و رجاه أن يعطيه قطعةً من الخبز يسدّ بها بعض جوعه، و بل الخباز  قابله بإبتسامة و سأله إذا ما كان يرغب في الجبن  إيضاً، فنظر الفقير في مناطق الدّكان فلم يجد اثراً للخبز، وهنا نوه البقّال إلى المخبز المجاور، و دعوة من الفقير ان يذهب و يطلب من الخبّاز رغيفاً واحداً، و أن يسجّل هذا الرغيف على الدّفتر، وهنا إستغرب الفقير، كيف يعطيه الخباز خبزاً دون ان يأخذ سعره؟ و كيف يمكن أن يداينه دون علم سابقة بينهما ؟؟؟ و بل الخباز  رجع و دعوة من الفقير الذّهاب إلى المخبز لإحضار الخبز، فلم يجد الفقير بداً من ان يفعل ما امره به الخباز - فجوعه عظيم - فهو لم يأكل شيء منذ الغداة، و بالفعل توجه الفقير إلى المخبز و إلتماس من الخبّاز الخبز على أن يدفع على السجل - وفي ذلك الحين تملأّد الفقير ان يخبّىء وجهه ؛ لانه توقّع ضربة من الخبّاز -، و لكنه فوجىء عندما وجد الخباز يعطيه رغيفاً و هو يقول له : لقد سجّلتُ ذلك الرغيف على السجل. رجع الفقير - مندهشاً - إلى الخباز  و هو يحمل بين يديه رغيف الخبز، عندئذٍ قام الخباز بإعطائه بعض الجبن، مسجّلاً هذا على الدّفتر - ايضاًً -. عاش الفقير في تلك القرية العجيبة سنةً كاملة و هو يأكل و يشرب و ينام على حساب الدّفتر، فقد استأجر بيتاً و فرشه بأفخر الفراش و دهنه و جعله قصراً - على حساب الدّفتر -. و في واحد من الأيام فوجىء البقّال بالرّجل الفقير يقف على باب دكانه، و عندما إلتماس منه الدخول سائلاً إياه عن حاجته، أجاب الرّجل الفقير - على إستحياء - قائلاً : إن الحياة في تلك القرية أعجته، فبما أن الغذاء و الشراب و السكن على الدّفتر، فهل يستطيع النكاح على الدّفتر. ضحك الخباز ، وطلب من الرّجل أن يذهب إلى النبع ،و يرى البنات اللواتي يأتين إلى عين الماء، و يختار الفتاة لتي يرغب في، فيلحق بها إلى بيتها؛ ليعرف أين تسكن، ثم يأتيه و هو - بدروه - سوف يذهب معه إلى أبيها ليطلبها للزواج - على السجل -. تصرف الرّجل الفقير ما طلبه منه الخباز، فذهب إلى النبع، و إختار الفتاة، و تعرّف بيتها، ثم رجع إلى البقّال، الذي ذهب معه إلى والد الفتاة، حيث أفاد لوالد الفتاة: إنّ ذلك الرّجل يرغب أن يتزوج إبنتك على حساب السجل. رضي والد الفتاة على النكاح، ولكنّه صرح للخاطب : قبل أن أتمم النكاح على الدّفتر، هل تعرف ما قصة الدّفتر ؟ و ما يحتاج منك إذا تزوجت على الدّفتر، أجاب الرّجل بالنّفي، و أفاد: إنه قد جاء القرية منذ عام، حيث لم يدفع منذ هذا الوقت قرشاً واحداً فمأكله، و مشربه، و مسكنه على الدّفتر، و هو يرغب في من زواجه أن يكون على الدّفتر - أيضا -. صرح والد الفتاة: سوف أقصّ عليك رواية الدّفتر، و بعد هذا تم اتخاذ قرار ما إذا أردت أن تتواصل بذلك الزّواج أم لا، إنّ قصة الدّفتر - بإختصار - تقتضي دفن الزّوج حياً إذا ماتت قرينته قبله، ودفن الزوجة حية إذا وافته المنية قرينها قبلها. فكّر الرّجل الفقير - ملياً - قبل أن تتحرك شفاهه، فعمره تخطى العشرين، و المرأة لم تمر العشرين، إذن الوفاة منهما بعيد - هكذا كان يعتقد الرّجل -، لهذا قرر الفقير إنهاء مراسم الزّفاف، ووافق على الزّواج - حسب نُظم الدّفتر -، و شاء الله أن تموت الزّوجة بعد أسبوعين، فحُملت جنازتها إلى المقبرة ومعها قرينها - الرّجل الفقير - و تم إنزال جُسمان الزوجة و الزوج إلى حجرة الضريح - حيث كانوا لا يدفنون في قبور و إنّما في حجرة عظيمة تحت الأرض -، وفي ذات الوقت كان هناك رجل ميّت و قرينته الشّابة ينزلان سوياً إلى حجرة الدفن - لأنهما كانا قد تزوّجا على الدّفتر. إتّفق الرّجل الفقير مع الزّوجة الشّابة على الزّواج في ظلمة الحجرة، فجلسا خلف الجيف التي تكدست على شكل أكوام، وبينما هما جالسان إذ سمعا صوت طحن عظام، فنظرا فإذا كلب هائل يأكل من الجيف المتكدّسة، فقال الرّجل لزوجته: إنّ ذلك الكلب لم يكن موجوداً ذلك الفجر وإن ذلك الضبع سوف يفر بعدما يشبع كما دخل. دعوة الرّجل من قرينته الشابة أن تساعده بجمع الاكفان عن جسامين الاموات ؛ ليصنع منها حبلاً، ووضع الحبل بشأن الفتحة التي دخل منها الكلب، و بعد ان اكل الكلب و شبع خرج متثاقلاً من الفتحة، فقام الرّجل و المرأة بشد الحبل بخصوص بطن الكلب؛ فأحس الكلب بضغط الحبل على بطنه، فذُعر و هرول مسرعاً و هو يسحب الرّجل و المرأة معه، و رغم الوجع الذي أصابهما جرّاء سحبهما على الأحجار، سوى أنهما لا زالا متمسكين بالحبل، إلى أن أعطت الإنطباع لهما بعض الأشعة من نور القمر، تخرق الظّلام، عندئذٍ تركا الحبل؛ ليهرب الكلب . و بعد برهة خرجا من الفتحة ليجدا مفسيهما في أرض بعيدة عن القرية التي دفنتهما، و عاشا بها عيشة جميلة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق