الاثنين، 9 يوليو 2018

صارة وسعيد

خرجت صارة مع أخيها سعيد في يوم من أيام الأجازة بعدما أتما واجباتهما ومذاكرة دروسهما، ومضيا يتجولان في البستان الضئيل حتي وصلا الي شجرة من شجر التفاح، فقالت صارة : انظر يا سعيد ذلك غصن يحمل خمس تفاحات، نظرسعيد متعجباً من جمالها وحمرة لونها وقد كان بالقرب منها خيط دقيق يلمع تحت اشعة الشمس، فقال لها : هل تعرفين ما ذلك الخيط يا صارة ؟ حدقتصارة به طويلاً ومدت يدها إليه فزال دون ان تشعر فقالت متعجبة : أين هو ؟ انه لا يكاد يمسك، لقد كنت أظن انني استطيع سحبه ولفه !

ضحك سعيد وصرح : ذلك خيط آخر ولكن لا تمسيه سأنظر اين ينتهي، أفاد صارة : ما الجدوى من تتبعه، دعنا نمضي ولا نضيع وقتنا، أفاد سعيد: لا تتعجلي يا صارة إن ذلك الخيط هو احد خيوط العنكبوت، لو تتبعناه لدلنا علي مسكنها .. وتابع سعيدوصارة الخيط ففوجئا بعدد آخر من الخيوط تقترب من بعضها في اشكال جميلة ومرتبة .

سمعت العنكبوت ” زوز ” كلامهما فقبعت في بيتها وجعلت تتنصت الي حديثهما، أفاد سعيد : إن العنكبوت مخلوق أحمق ! سألته صارة لماذا فأجابها : ألا ترين كيف يبني بيته في الاماكن المهجورة ؟ بعيداً عن القصور النقية والخزائن الفاجرة ويصنعة من الخيوط الواهية الضيعة ولو مددت يدي لأقتلعت البيت بأصبعي .

قد كانت زوز تسمع خطاب سعيد بانزعاج حاد وهي تختبئ وراء ورقة من اوراق الشجرة فأطلت برأسها وقالت : ايها الفتي كيف تقدم علي شتم جيرانك ؟ إنني هنا منذ مدة فهل آذيتكم ؟ أو أكلت من طعامكم ؟ لقد نسجت بيتي نحو جذع تلك الشجرة فلم أكسر غصناً ولم اتلف ثمرة، فهل أستحق منك ذلك الخطاب ؟

نظرت صارة الي مازن وكأنها فوجئت بجواب العنكبوت فقال سعيد : ألست صادقاً في قولي ؟! أفادت زوز : إنك تترقب الي واضح الاشياء دون ان تعرف حقيقتها ووظائفها، فأنت تتهمني بالحمق لأنني اتخذت من الاماكن المجهورة مسكناً لي، وانا افعل هذا لأن رزقي متاح في تلك الاماكن، كيف تعجب من هذا ؟ ألا تري ان العامل يعمل في المصنع بين الزيوت والشحوم ؟ والفلاح يعمل في حقلة مع الطين والتراب ؟ انه الشغل ، وإن إلتماس الرزق بوسائل شريفة هو شرف وكرامة .

أفاد سعيد في انفعال : إن العمال والفلاحين شرفاء، يقدمون الاستفادة لمجتمعاتهم، وانت ضئيلة هزيلة لا جدوى منك، فماذا يمكن أن تقدمي ؟ لم تتأخر زوز في الرد علي سعيد فقالت : انت مخطئ ايها الفتي فإن لي في بعض الحالات نفعاً، لا يهُمُّ به سواي .. ألا تذكر يوم الهجرة واختفاء النبي في الغار ؟ صرح سعيد : أذكر انه خرج مستحفياً مع صاحبة ابي بكر وان الاعداء كانوا يجوبون الصحراء وهم يبحثون عنه حتي وصلوا الي غار ثور حيث كان النبي صليي الله عليه وسلم وصاحبه مختبئين فلم يروهما .

تحدثت زوز : ولكنني كنت بالباب، فنسجت بيتي بسرعة واحكمت خيوطي وظن الكفار أن ذلك الغار لم يدخله احد، سأل سعيد: ولكنك تتخذين بيتاً ضعيفاً واهناً ، فالناس يبنوا بيوتهم حتي يسكنوا فيها وينالوا حاجاتهم وترد عنهم الحر والبرد، أفادت زوز : ذلك بيتي الذي تشاهده يكفيني واحصل فيه علي قوتي ، وبينما كانا يتحادثان سمع صوت طنين اززززز .. اشارت زوز الي سعيد وصارة ألا يتكلما، وقالت وهي تهمس : لقد اتاني رزقي الي بيتي، تلك ذبابة قد علقت بخيوطي، ومضت زوز الي الذبابة فلدغتها لدغة قاتلة، ثم مصتها ورمتها، ونظرت الي سعيد لتقول : هذه اللحظة هل تراني حمقاء ؟ صرح سعيد : لا ، تحدثت زوز : إن الحمقي يا عزيزي اولئك الذين يعتمدون علي غير الله ويعبدون سواه وانا اعتمد علي الله في رزقي وعيشي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق