السبت، 14 يوليو 2018

هل العادة تدل على التكيف والإنسجام أم أنها تؤدي إلى إنحراف في التصرف ؟

تحرّك الإنسان دوافع كثيرة ومتغايرة (عضوية, نفسية, اجتماعية) نسعى إشباعها بهدف تقصي التوازن مع نفسه ومع الآخرين بل حقيقة الإنسان لا تتجلى في إشباع الدوافع لاغيرلكن في مقدرته على المفاضلة بين الخير والشرّ بحثًا عن التصرف الأمثلوذلك ما يعلم في الفلسفة بموضوع "الأخلاق", غير أن أساس المقدار الأخلاقية مسألة تفتقر إلى فحص بهدف تحديد مصدر الإلزام الخلقي وهي مسألة تعددت فيها الآراء بتعدد أبعاد الشخصية والإشكالية التي تطرح ذاتها:هل هناك تضاد بين القيم الخلقية والدوافع الفطرية في الإنسان ؟ بمعنى هل تُؤسّس الأخلاق على المنفعة أم الذهن؟
الرأي الأول الأطروحة
تشاهد النظرية النفعية أن مصدر الإلزام الخلقي يكمن في طبيعة الإنسان, التي تدفعه إلى مناشدة اللّذة والتمسّك
بها والنفور من الوجع (فاللذة هي الخير والألم هو الشر) والإنسان برأيهم أناني يبحث باستمرار عن مصلحته والقيم التي يؤمن بها هي التي تتوافق مع تلك المصلحة, ترجع تلك الأطروحة إلى آراء الفيلسوف اليوناني "أرستيب القورينائي" الذي أفاد {اللذة هي الخير الأعظم ذلك هو صوت الطبيعة فلا خجل ولا حياء} وهو يشاهد أن اللذة الفردية هي أساس الشغل الخلقي, غير أن "أبيقور" فضّل اللذات المعنوية عن اللذات الحسية مثل التأمل الفلسفي ومحور حياة الإنسان هو اللذة فهي شرط السعادة وهي معيارالإجراءات وذلك ما تؤكده العبارة المشهورة {اللذة هي طليعة الحياة السعيدة وغايتها هي ما ننطلق منه لنحدد ما ينبغي فعله وما ينبغي تجنبه}. وفي العصر الجديد ظهر ما يسمى مذهب "المنفعة العام" على يد الفلاسفة الإنجليز ومنهم "بنتام" الذي نقل موضوع الأخلاق من الميدان الفلسفي التأملي إلى الميدان التجريبي وذلك ما يتجلى في معيار حساب الذات حيث وضع مجموعة من المحددات والقواعد وصرح {اللذة إذا اتحدت شروطها كانت واحدة لدى جميع الناس}ومنها شرط "الشدّة" أي شدة اللذة أو ضعفها هو الذي يحدد خيريتها أو شرها وشرط "الصفاء" أي ضرورة كون اللذة خالية من الوجع بل أكثر أهمية تلك المحددات والقواعد تماما هو "النطاق" أي امتداد اللذة إلى أضخم عدد جائز من الناس وبذلك الإنسان عندما يطلب منفعته بأسلوب عفوية هو يطلب منفعة غيره, غير أن تلميذه "جون ستيوارت ميل" نظر إلى موضوع المنفعة من زاوية الكيف وليس الكمّ وفي نظره أن شقاء الإنسان مع كرامته أفضل من حياة الخنزير المتلذذ وذلك المعنى نوه إليه في واحد من نصوصه {أن يقطن الإنسان شقيّا أفضل من أن يقطن خنزيرا رضيا, وأن يكون سقراط شقيا أفضل من أن يكون سخيفًا سعيدًا}فالأخلاق تُؤسس على المنفعة
إنتقاد: إن تلك الأطروحة نسبية لأن المنفعة متغيرة الأمر الذي يقصد عدم إستقرار القيم الأخلاقية ومن ثمَّ فرصة حدوث بلبلة إجتماعية.
الرأي الثاني (نقيض الأطروحة): تشاهد النظرية العقلية أن الأخلاق الحقيقية يلزم أن تُؤسّس على ما يميّز الإنسان عن الحيوان وقصدوا بهذا الذهن الذي هو مصدر الإلزام الخلقي في نظرهم وهو القاسم المشترك بين جميع الناس والذهن يمكنه تصوّر مؤكدالتصرف ثم الحكم عليه, فعلامة الخير نحو "سقراط" أنه تصرف يحتوي فضائل وعلامة الشر أنه إجراء يحتوي رذائل, ورأى "أفلاطون" أن محور الأخلاق هو التصرف فقال {يكفي أن يقضي الإنسان جيّدًا ليتصرف جيّدًا} وفي نظره الإنسان لا يفعل الشرّ وهو يعرف أنّه شرٌّ وإنما الجهل هو داع هذا, ورأى "أرسطو" أن الأخلاق تجلى في التصرف الوسطي وتحدث في كتابه "الأخلاق إلى نيقوماخوس" {الفضيلة وسط بين رذيلتين} ومن الأمثلة التي توضح تلك الفكرة أن الشجاعة خير لأنها وسط بين الجبن والتهوّر والعدل خير لأنه وسط بين البغي والإنظلام. وفي العصر الجديد أرجع "كانط" الإلزام الخلقي إلى الذهن وقسّم فلسفته إلى ثلاثة أقسام الذهن النظري الذي يدرس المعرفة وأساليب بنائها والذهن العملي الذي يحتوي على الدين والأخلاق والذهنالجمالي ورفض إعادة الأخلاق إلى سلطة خارجية (الدين, المجتمع) لأن في هذا سلب لحرية الإنسان ورفض المنفعة لأنها متغيّرة والأخلاق عنده تأتي تجاوب لسلطة الذهن أي تأدية التصرف احتراما للقانون العقلي في نفسه فيبدو التصرف الأخلاقي عن حريّة ويصبح كلّياً, صرح "كانط" {اعمل بحيث على أن يكون عملك قانونا كلّياً} ويتميّز بالمثالية ويكون طول الوقت مطلوبا لذاته قيل {عامل الناس كغاية لا كوسيلة} فالأخلاق مصدرها الذهن.
إنتقادتلك الأطروحة نسبية لأنها اهتمت بدور الذهن في تشييد الأخلاق وتجاهلت دور الدين ثم أن الذهن ليس ملكة معصومة من الخطأ.
التركيب
يطرح المشكل الأخلاقي في المقام الأول مشكلة المقياس والأساس وكما أفاد "جون ديوي" {لا تبدو الإشكالية الأخلاقية سوى حين تضاد الأغراض ويحتار المرء أيّها يختار} ومن ذلك المنطلق نشاهد أن المذهب العقلي أخذ صورة مثالية متطرفة عن طريقالاكتفاء بالذهن وحده وإهمال عنصر [الدين] وهنا تبدو مقولة "فيخته"{الأخلاق من غير دين عبث} وبيان هذا أن جوهر الأخلاق هو الإلزام وحسن الخلق. وذلك ما نوه إليه "أبو حامد الغزالي" في كتابه [إحياء علوم الدين] {حسن الخلق يعاود اعتدال قوةالذهن وكمال الحكمة وإلى اعتدال قوة الحنق والشهوة وكونها للعقل والشرع مطيعة} فالأخلاق الحقيقية تُؤسس على الفطرة الصحيحة وتفاعل الذهن مع المقالات الدينية والمُتغيّرات الاجتماعية وكما قيل {للشرع التنوير وللعقل الاجتهاد}.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق