السبت، 14 يوليو 2018

هل العادة تدل على التكيف والإنسجام أم أنها تؤدي إلى إنحراف في التصرف ؟

الصدارة:العائلة بالمعنى الجديد هي وحدة اجتماعية تتكون من والدين و أطفالهما. و هي لا تتشابه عن العائلة قديما من العديد من جوانب كالنطاق و محور القرابة و الوظائف. فالوظائف الجارية مثلا ضئيلة إذا قيست بما كانت عليه في العصور السابقة. لقد كانت العائلة القديمة تقوم بوظائف متعددة في الساحات السياسية( التشريعية، التنفيذية، و الدفاعية) و الدينية و التربوية و الاستثمارية و الصحية...إلخ سوى أن تطور الحياة الاجتماعية و تعقدها دفعا المجتمع الجديد إلى خلق شركات تنوب عن العائلة في أدائها لتلك الوظائف، و تخفف عنها أعباءها و من هنا التساؤل: ما هي وظائف العائلة بعدما زالت عنها تلك الأعباء؟ و ما مصير العائلة؟و هل حقيقة من الممكن أن يقضي عليها بالزوال؟
عرض الأطروحة: يذهب القلة من الفلاسفة حتّى العائلة محكوم عليه بالزوال في المستقبل إذا تألفت من الزوج و قرينته لاغير، و إذا انتزعت الجمهورية الأطفال من آبائهم و أخذت على عاتقها تربيتهم على أن يصبحوا مجرد مواطنين لا ينتسبون إلى عائلة محددة. و دليلهم على هذا، أن وظائف العائلة التقليدية كانت واسعة، تشمل جميع شؤون الحية الاجتماعية ، غير أن المجتمع أخذ ينتقص منها و ينشئ لكل مهنة هيئة مستقلة، فلقد أنشأ المجالس النيابية موضع المهنة التشريعية، و الحكومات مقر السلطة التنفيذية و المعاهد الدينية و المدارس مقر الوظائف الدينية و التربوية. و الشركات الاستثمارية و المصانع مقر المهنة الاستثمارية. و الشركات الطموح للحفاظ على الأمن و الممتلكات و الأرواح. هكذا بات المجتمع هو الذي يشرف إلى حد ما على جميع الممارسات التي كانت على عاتق العائلة القديمة. و يذهب أنصار النزعة الاشتراكية و خاصة ماركس و أنجلز حتّى النجاح بين الطبقات و محوها يقتضي إلغاء العائلة لأنها تبدل دون محو الفوارق المتواجدة بين الأشخاص، و في ذلك المعنى يشاهد أنجلز أن العائلة تتأسس في جوهرها على الملكية المخصصة و توارثها، فهي من الناحية الاجتماعية تغذي البنية الرأسمالية و يوم تنتقل وسائل الإصدار إلى الملكية المشتركة، لن توجد العائلة الفردية الوحدة الاستثمارية للمجتمع، فالاقتصاد العائلي يتغير إلى تصنيع جماعية. و الإعتناء و تربية الأطفال تصبح مسألة عمومية، فالجميع يقدم عناية متساوي لجميع الأطفال، و هكذا يتضح لنا أن مكوث العائلة تدعيم للصراع الطبقي.
كما أن الروح العائلية تقيد حرية الشخص و تزرع فيه عواطف تجعل منه كائنا لا يقوى على تخطى حواجز العائلة. و الزمان الماضي يشهد بأن العائلة التقليدية تمارس نوعا من الطغيان على الشخص، و تستبد به و لا تتركه طليقا، الشأن الذي صرف أنصار النزعة الفردية خاصة "جيد" إلى نَقد طابع الإكراه الذي تتصف به العائلة. فهو يحاول أن إلى تحرير الشخص و يجعله متمتعا بشخصيته ، و هذا أن القيود التي تفرضها العائلة على الطفل تشل إرادته و تعرقل تطوره، لأن الشأن كما يقول، سجن اجتماعي بمعنى الكلمة يستولي على الشخص، فالفرد أيما وصل من العمر، فإنه يوجد باستمرار مرتبطا بوالديه بحكم العاطفة العائلية.
إنتقاد الأطروحة:غير أن انحلال العائلة و انهيارها يجرد المجتمع من أفضَل مقوماته. لأن العائلة هي الدعامة الرئيسية للمجتمع، فصلاحه متعلق بصلاحها، كما أن أكثرية الشعوب التي كانت تتصور المجتمع بلا عائلة اختتمت إلى الاعتراف بالأدوار الرئيسية التي تلعبها العائلة خصوصا في التربية و الطعام الروحي.
نقيض الأطروحة:و في بمقابل ذلك الوجهة ظهر اتجاه آخر يشاهد أنصاره، أن العائلة و حدة اجتماعية لازمة غير ممكن الاستغناء عنها، فمهما وصل المجتمع من تقدم و تطور فلا يستطيع أن ينوب عن العائلة في الوظائف العائلية المحصنة، كالوظيفة البيولوجية، و الاجتماعية، و السيكولوجية.
فمن أكثر أهمية وظائف العائلة تنشئة الأطفال و تربيتهم التربية الاجتماعية. و إدا كانت صغار الحيوانات لا توجد تحت الرعاية سوى وقت قصير من الدهر ثم تستقل بنفسها نهائيا، فإن الإنسان قبل أن يمارس الحياة الاجتماعية بنفسه يوجد في أحضان أسرته التي تنشغل بتربيته مدة طويلة. فطفل الإنسان يولد كحيوان هزيل لا بشأن له و لا قوة، فهو في احتياج إلى من يغذيه و يحميه من البرد و الحر و الأمراض. كما يتلقى من أبويه التصرف و تقاليد المجتمع، و العائلة باعتبارها نظاما اجتماعيا تؤثر فيما عداها من النظم الاجتماعية، إن المدرسة مثلا يتوقف فوزها في تأدية رسالتها التربوية على كمية المعونة التي تقوم بتقديمها لها العائلة. و لا تزال العائلة إلى وقتنا ذلك، و خصوصا في الأوساط الريفية محتفظة بالكثير من وظائفها التقليدية.
غير أن التنشئة و التغذية في الإنسان ليست عينية و وفق و لا أخلاقية لاغير، إنها نفسية ايضاً، و تلك المهنة لا تكاد تشاركها فيها أية شركة أخرى. فقد أثبتت بعض الدراسات أن الأطفال الذين يعيشون في شركات رسمية بعيدا عن الوسط العائلي،
 يتكبدون من تضاؤل في النمو، فقد اكتشف الطبيب "روني سبيتز" أن الطفل يمكنه أن يتكبد الأوجاع من الناحية الجسدية نتيجة لـ إبعاده عن والدته في 63 طفلا قدموا من غير مشابه الأوساط و تربوا في شركات رسمية منذ ولادتهم سجل عليهم تراجعا ملحوظا ابتداء من الشهر الرابع للنمو العام فيما يتعلق للمعدل. و يصل ذلك التقهقر 55 بالمائة في العام الأول. أما في العام الثاني فنموهم من الممكن أن يعادل نمو المعتوهين. بينما أن الأطفال الذين تشتغل الم بتربيتهم و الاعتناء بهم يكون نموهم معا، لأن الأم حين تغذي نجلها تغذية كذلك بالعواطف و الحنان. فالتزود بالغذاء الملائم يستلزم زيادة عن السعرات الحرارية و الفيتامينات.
إنتقاد نقيض الأطروحة:بل أيا كان كان وجود العائلة في المجتمع باعتبار الدعامة أو المحرك اللازم، فإن ذلك المحرك قد تترتب عنه عواقب وخيمة، لأن العائلة، إذا دب فيها التفكك، تنتج أفرادا ضعاف النفس و الشخصية.
التركيب:إن العائلة هي الخلية الرئيسية للمجتمع، و على المجتمع أن يسعى رعايتها، و لا يترك الآباء يمارسون سلطتهم كاملة على ذريتهم، و أن يقدم لهم يد المعاونة و يمدهم بتوجيهات و نصائح تسمح لهم بأن يصنعوا أجيالا صالحة. فإن المجتمع الصحيح هو المجتمع الذي يحرص على إبقاء العائلة و صيانتها. و العائلة السليمة هي الوحدة الاجتماعية العاملة على الاحتفاظ بنجاعتها الأخـلاقية و الاجتماعية، و خاصة النفسية. و إذا كانت العائلة قد فقدت العديد من وظائفها فذلك بهدف أن تتفرغ لوظيفتها المخصصة التي لا يمكنه منطق التقدم التخلص منها. فبمقدار ما تفتقد العائلة من وظائفها، الواحدة عقب الأخرى بحجم ما تعثر على وظيفتها المخصصة.
النهاية:و في الأخير نستنتج أن العائلة ذات ضرورة كبرى، و عليه تتوقف إلى حاجز بعيد، قـوة المجتمع و مناعته. و لقد أشار القلة من المربين بأهميتها الخطيرة و دورها الايجابي قائلين: " لقد نال النوع البشري حضارة بفضل العائلة، و إن مستقبله يتوقف على تلك الشركة زيادة عن أية شركة أخرى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق