الاثنين، 9 يوليو 2018

هل النسيان عيق التكيف ام يساعد عليه - هل النسيان امر سلبي ام ايجابي


 لطالما كان الإنسان في عملية تكيف مع العالم الخارجي يستند الى استحضار الماضي لمعايشة الحاضر و بناء المستقبل فكانت  وظيفة الذاكرة تعمل على حفظ الماضي و استرجاعه عند الحاجة غير أنها قد لا تقوى في بعض الحالات على استدعاء جزء من الماضي بالرغم من الجهد المبذول للاستحضار كما تعد الذاكرة في حقيقة الأمر أداة للاحتفاظ بالمعلومات قصد الانسجام مع الوضع الراهن إلا ان هناك عامل لضياع هذه المعلومات وهذا ما يعرف بالنسيان فهو قد يكون إما طبيعي إذا كان بشكل مؤقت وقد يكون دائم فيشكل حالة غير طبيعية وهذا ما دفع بجمهور الفلاسفة الى التأمل في المسألة التي في حقيقة الأمر استقطبت اهتماما و أثارت جدلا بينهم فالبعض منهم يرى ان النسيان امر سلبي في حين ذهب البعض الأخر الى رؤيته امر ايجابي وعليه نتساءل "هل النسيان يعيق التكيف ام يساعد عليه"؟و بعبارة اخرى "هل النسيان ملكة للذاكرة ام أفة لها"؟
الموقف الأول:
للإجابة عن الإشكالية السالفة الذكر ظهر هناك رأيان فكل ينظر الى النسيان من زاوية محددة فنجد أنصار الاتجاه الأول يقرون بأن النسيان ظاهرة عادية تحدث عند جميع الناس وقد يكون في الكثير من الأحيان وظيفة إيجابية لأنه يعيق وظيفة الذاكرة لأنه يحدث بسبب التلاشي و الانحلال الذي يصيب بعض ذكرياتنا لعدم تكاملها و الحاجة اليها فهي تصبح من حيث الصيغة و بحكم التغير متفككة فننسى بطبيعة الحال بعض أقسامها و الباقي قد يفتقد اكثر جزئياته الثانوية وقد تتلاشى ذكرياتنا و يصيبها النسيان بسبب الزمن و الاستعمال
فالنسيان حسب "جون دولاي" النسيان حارس الذاكرة " ويقصد بقوله هذا بأن الفرد عندما يريد التقلص من ذكرياته المؤلمة فإن النسيان هو الحارس الوحيد الذي يمكن الفرد من التخلص من ذكرياته المؤلمة وما يدل على قيمة النسيان الإيجابية  اقتراح دراسة وظيفة الذاكرة بالنسيان من طرف بعض الباحثين ذلك لإنه ظهر لهم حليا ان وظيفة الذاكرة و النسيان وظيفة واحدة في الواقع , اذا صرح أحدهم بفوله " إن الذاكرة هي قبل كل شيء ملكة النسيان " أي ملكة عزل و اختيار وتنقيب  ومن هنا تتجلى جملة الحجج فنجد انه بفضل النسيان تتجدد الذكريات و يستطيع ان يبقي الذكريات الجديدة فلو لم يكن النسيان لما تجددة الأفكار وعاش الإنسان رهين الماضي حيث نجد شافور "يحب ان نعيش حياتنا اليوم وننسى كثيرا"ويقصد بقولههذا ان النسيان يعني ان ننسى الذكريات نسيانا كليا بل الذي يهمنا في هذه اللحظة قد يهمنا في لحظة اخرى لأنه من الناحية العلمية نتذكر ما يلائمنا فقظ و خير مثال: على هذا التلميذ يوم الامتحان لا يتذكر سوى المعلومات التي تهمه لحل التمارين و لا يستطيع حفظ ما تعلم في الابتدائي و الإكمالي  لأنه يجب ان يتخلى عن بعضها و يحتفظ ببعضها وما هو ضروري في دراسته وبها يصبح النسيان شرط من شروط استمرار الحياة حيث يقولجورج غرود"النسيان شرط لاستمرار الوجود" كما شبه النسيان بضرورة الضوء و الظلام للكائنات العضوية و ضرورة النوم بالنسبة للإنسان فالإنسان الذي لا يريد ان يرى سوى ما هو ماضي مثله كمثل الذي يرغم بالتخلي عن النوم و بالتالي يمكن لنا ان نعيش بدون ذكريات لكن يستحيل ان نعيش بدون نسيان كما نجده يحدث في العديد من المرات نتيجة لعوامل نفسية كالانفعال و لألم حيث يقول برغسون "إننا ننسى تلك الذكريات التي لا تهمنا " و يتمثل في ذلك في قانون الترك اذا يتطلب من الفرد التخلي على بعض المعلومات ليتسع المجال لاكتساب   معارف جديدة فمثلا التلميذ لا يستطيع ان يتعلم شيء جديد إلا اذا نسي تجاربه السابقة نسيانا مؤقتا لأن اكتساب العلم يتطلب هنا جزءا هاما من لانتباه و لاهتمام وهذا لا يتم إلا اذا عزمنا عن شعورنا الراهن عزما إراديا فما سمعناه وما شعرنا من قبل الا ان هذا النسيان مؤقت وحسب رأيه فهي حالة طبيعية ما دام الشعور هو المخزن للذكريات فنحن نسترجعها في حالة شعورية باعتبار ان الشعور يتيح المجال لتحديد الذكريات حيث يقول جون دولا كروا" نتذكر بأننا ننسى " وهذا باعتبار  أن النسيان حالة ايجابية و طبيعيةللإنسان أما فرويد فقد أثبت موقفهم بحجة الشعور و اللاشعور وهو يرى أننا ننسى ليسبين إما بسبب ان الشيء المنسي هو الذي يثير فينا ألما واما الشيء المنسي له علاقة بشيء أخر يثير فينا ألما فهو يرى أننا ننسى بعض الحالات الماضية قصدا لأنها مؤلمة في ساحة الشعور فتطردها الى ساحة للاشعور.
النقد:
لكن لا يمكن الحكم بصفة مطلقة على  ان النسيان حالة طبيعية باعتباره دلالة على العجز و نتيجة لمرض كما اننا في بعض الأحيان ننسى الأشياء التي نحن بحاجة إليها وهذا ينعكس سلبا ويصدم الذكريات و يكون عائق أمام تطوير السلوك الفردي.
الموقف الثاني:
على خلاف الاتجاه الأول ظهر رأي أخر يرى أنصاره ان النسيان حالة مرضية بما ان وظيفة الذاكرة حفظ الأشياء التي تهم الانسان فإن فقدنها عن طريق النسيان يعتبر سلبا ومن هنا نجد الكثير من الفلاسفة و الباحثين اللذين اعتبروا النسيان سلبي لآنه يفقد القدرة على استحضار الذكريات وهذه الأخيرة التي تساعد على التكيف و فيها يعتبر النسيان أفة العلم النسيان و قال أيضا علماء التربية "أننا ننسى أكثر مما نتعلم" ولهذا يبدو النسيان في مجال اكتساب المعرفة و التحميل العلمي عائق خطير لذلك كانت الذاكرة القوية نعمة لصاحبها أما ريبو فهو يرى ان الذكريات مزروعة في الخلايا العصبية "محفوظة في الدماغ" وأي خلل على مستوى القشرة الدماغية يؤدي الى فقدان جزئي او كلي للذكريات او بمعنى اخر يؤدي الى نسيان الذكريات وبهذا يصبح النسيان عائق للذاكرة و سلبي لعميلة التكيف كما أننا نجد ان افلاطون ينظر الى النسيان نظرة سلبية ذلك ان الإنسان في حياته يسعى في النهاية الى تحقيق السعادة القصوى التي تتجلى في المعرفة وهذه الأخيرة لا تتحقق في ظل النسيان و لهذا يقولافلاطون "المعرفة تذكر و الجهل نسيان " و نفهم من هذا بأن الجهل يرتبط بعدم مقدرة الروح على تذكر ما كان عليه في عالم المثل وهذا مايسمى عند أفلاطون بالنسيان وهذا يعيق التكيف و القدرة على ممارسة التذكر ومن هنا نتطرق ان النسيان يؤثر على وضيفة الذاكرة تأثيرا سلبيا لأنه يتجسد في أمراض الذاكرة نتيجة الحوادث أو الصدمات النفسية منها فقدان الذاكرة و هو العجز على استحضار الذكريات و قد يكون النسيان فقدان الذكريات جزئي او مؤقت اما مرض الأفازيا فهو فقدان القدرة على الكلام كأن ليس المريض لغة اجنبية قد تعلمها من قبل الأبركاسيا وهو فقدان القدرة على حركات معينة كان  يتقنها الفرد من قبل نضم الذاكرةأما سارتر فالنسيان عنده ما هو إلا كبت لحوادث مؤلمة وهروب من الواقع المؤلم وهذا ما يفسره في فكرة الإغماء فالنسيان يؤدي الى عدم التلاؤم و الانسجام مع المواقف الراهنة فهو يعتبر سلبا لأن له انعكاسات سلبية على الحياة السوية
النقد:
لكن ليس النسيان دائما وظيفة سلبية وعجز في حين ان فقدان الأثار والأشياء بصورة تدريجية ظاهرة طبيعية ثم كيف نفسر الإصابات في الجهاز العصبي؟ ثم استرجاع ذكريات بصفة عادية فالإنسان ليس بمقدوره أن يستوعب جميع الأمور الجديدة من مهارات و معارف فيجب ان يزول شيء  او بالأحرى القديم ويبقى الجديد وهكذا .
التركيب:
و مما سبق يظهر لنا ان النسيان هو عبارة عن ظاهرة نفسية قد يكون طبيعي وشضروري من أجل التكيف مع العالم الخارجي وذلك إذا إرتيط  نسيانبكل ما يعيق الحياة السوية و اللحظات المؤلمة والتي تكون سببا في الأزمات النفسية وقد يكون غير طبيعي  ومرضي عندما يتجاوز حدوده المعقولة و مستوياته العادية أي عندما يكون النسيان حالة مرضية تكون مصاحبة دائما في اللحظات المختلفة للحياة اليومية للإنسان و بالتالي يعيق عملية التكيف و يصبح سلبي.
الخاتمة:
نستنتج من خلال التحليل السابق ان النسيان    ظاهرة طبيعية تفرضها  الذاكرة فالنسيان ليس نقيضها إنما هو وظيفة من وظائفها و التي تساعد على تجديد الذكريات لتكون ألية تساعد على التكيف و بالتالي إيجابية للذاكرة كما أنها تضمن سلامة الذاكرة و قد يكون النسيان مرض و عائق  أمام التكيف وهذا مرتبط بنتائج السلبية التي تعود    علي الاخرين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق