الاثنين، 9 يوليو 2018

هل يمكن ان نعبر عن كل افكارنا ؟ هل تستطيع اللغة ان تعكس كل ما يدور في فكرنا ؟ هل نستطيع ان نفكر فيما نعجز عن قوله؟


لاشك أن الحيوانات تملك في جملتها وسائل التوصل أو التواصل  إلا  أن هذه الوسائل كل تبلغ ولن تبلغ مبلغ اللغة عند الإنسان فهو الكائن الوحيد المالك للغة حقيقية تسمح له بإيصال أفكاره لغيره من بني جنسيه حيث يستطيع أن يفهم ويفهم الأخرين  ومن هنا تصبح اللغة ماهية الإنسان كما عرفها لا لاند ’’هي جملة من  الإشارات التي يمكن أن تكون وسيلة للاتصال’’ ولهذا فهي جملة من الرموز والإشارات التي يعبر بها الإنسان عن حاجياته وبفضلها يتواصل مع العالم الخارجيانطلاقا من التعبير عن مكنون  الفكر هذا الأخير الذي هو إعمال العقل  في الأشياء للوصول إلى معرفتها  أو التحكم فيها وإستخدامها  أين تتشابك  فيها الكثير من القدرات العقلية والأفعال الذهنية التي أدواتها  المفاهيم  والمعاني  أين يقابلها في اللغة  الألفاظ والكلمات  ورموز التعبير غير أن بعض الاتجاهات الفلسفية وجدت أن آلية اللغة قاصرة على الإستعاب والتعبير عن هذا الزخم الهائل من الأفكار والأشياء وفي المقابل رأت تيارات  آخرى إمكانية حصول ذلك اعتقادا منها أن اللغة والفكر شيء واحد ومن هذه الناحية أصبحت مسألة اللغة والفكر موضع جدل بين الفلاسفة والعلماء وأصبحنا أمام تساؤلات فلسفية هل تستطيع اللغة أن تعكس كل ما يدور في فكرنا؟ أم أنها عاجزة عن ذلك ؟ وبصيغة آخري  هل يمكن للإنسان أن يفكر خارج فضاء اللغة ؟أم أن الفكر واسع واللغة ضيقة تعيق نشاطه
العرض
الموقف الأول
للإجابة عن هذا المشكل انقسم الفلاسفة وعلماء اللغة إلى قسمين واتجاهيينحيث يرى الاتجاه الثنائي أنه يجب التمييز والفصل بين اللغة والفكر وأن الفكر سابق عن  اللغة بل كثير ما تعيق اللغة نشاط الفكر وهذا ما ذهب إليه الفيلسوف ’’برغسون ’’ في قوله : ’’اللغة عاجزة عن مسايرة ديمومة الفكر’’ بمعنى  أن تطور المعاني أسرع  من تطور الألفاظ  فالمعاني  بسيطة متصلة بينما الألفاظ  مركبة منفصلة  ونجد أيضا أن الفكر أوسع من اللغة  فالفكر في ذهن صاحبه  فيض من المعاني المتصلة  في تدفق  مستمر لا تسعه  الألفاظ  وهذا ما يجعل اللغة  معرقلة  للفكر لانها تقيده وتجمد حيويته كما قال "الألفاظ  قبور المعاني " كما نجد أيضا أنه في كثير من لحظات  حياتنا يظهر عجزنا في التعبير عن مشاعرنا وأحاسيسنا وهذا الأمر لا يعود إلى قصور الفكر ولكن  في اللغة حيث أنها لا تعطي المعني  الكامل لذلك الفكر المكثف  ولهذا يقول الشاعر الفرنسي " فاليري"  أجمل الأفكار هي التي لا نستطيع التعبير عنها " وكما يقول في نفس الصدد "أجمل الأشعار هي التي لم تكتب بعد "  وهذا يعني أن اللغة عاجزة عن إبراز المعاني  المتولدة عن الفكر إبرازا كاملا فلا يمكنها أن تعبر عن كل ما يختلاج نفس الإنسان إضافة إلى أن اللغة   ماهي إلا وسيلة يقودها الفكر باعتبار أن هذا الأخير قاموس حياة كل فرد لما تحمله من ذكريات وعندما يريد التصريح بها يخرجها بعبارات وإشارات تعبيرية , كما لا ننسى أن اللغة وسيلة  تعكس فقط ما يدور في الفكر ولا تصنع الفكر
 كما يؤكد ذلك "شوبنهاور " ويقر بأن اللغة أعجز من أن تنقل  المعنى الحقيقي للفكرة وفي الكثير من الأحيان تعمل  عكس  ذلك أي أنها تفقد الفكرة معناها  الصادق ومحتواها الحقيقي وفي هذا يقول "الأفكار تموت لحظة تجسيدها في كلمات "
وفي نفس السياق أثبت "ديكارت " أن اللغة وسيلة للتعبير عن الأفكار وليست هي جوهر الفكر , ففقدان اللغة لا يمنع هذا من التواصل  والتفكير فالأخرص لا يمتلك لغة لكنه يفكر ويتواصل .
وفي الأخير تنقل  لنا التجربة اليومية  أن هناك مواقف تعجز اللغة عن التعبير عنها وعلى سبيل المثال "كلقائي  بأهلي  بعد زمن طويل من الغياب فلا أستطيع  أن أعبر عن سعادتي وقوة فرحتي  بلقائهم وبهذا  نستنتج أن الفكر يسبق اللغة  لأن اللغة من خلاله ماهي إلا إشارات ودلالات تعبير عن غاياته .
النقد
لكن الفصل بين اللغة والفكر أمر يطرح العديد من الأسئلة فهل يمكن حقا للفكر أن يوجد بمعزل عن اللغة  ؟ وهل تكون الفكرة بدون إشارة لها معنى ؟ وهذا في حقيقته غير ممكن فالفصل بين اللغة والفكر أمر غير مقبول واقعيا لأن الإنسان يشعر بانه يفكر ويتكلم في أن واحد وعملية التفكير في الواقع لأنهم خارج إطار اللغة .
الموقف الثاني
وعلى خلاف الرأي الأول يرى الاتجاه الأحادي أن اللغة والفكر متصلان ومترابطان فلا فكر دون لغة ولا توجد لغة دون فكر وأنه من الاستحالة  الفصل بينهما لأن اللغة ليست ثوب الفكر ووعاءه الخارجي كما يدعي البعض بل هي جسده وصميم وجوده , فهي التي تبرز الفكر وتخرجه من حيز الكتمان والذاتية إلى حيز التصريح وتضفي عليه الصبغة الاجتماعية والموضوعية  وهذا يغني أن التفكير دون العبارات اللفظية ضرب من الوهم الكاذب ,وهذا ما ذهب إليه الفيلسوف اليوناني" أرسطو"  حيث يقرأن الفكر لا يشكل إلا بحضور اللغة فتكون المعاني لدى الأطفال يتم  باكتسابهم  للغة ,فنمو الفكر عندهم مرتبط بنمو رصيدهم اللغوي حيث يقول" أرسطو" ليس ثمة تفكير دون رموز لغوية " إذ أنه لا يوجد تصور في الذهن دون لفظ  يكونه فالرمز وسيلة للتفكير ولم يختلف "هيغل" عما جاء به أرسطوحيث يرى أن  الأفكار المخزنة في العقول جامدة لا حياة فيها وأن اللغة هي التي تعطي لها معناها وحيويتها ووجودها وهذا ما جعله يقول " الكلمة نعطي الفكر وجوده الأسمى" بمعنى أنه ما يثبت وجود الفكر هي قدرتنا على التعبير عنها ويقول أيضا "اللغة هي وعاء الفكر "
وكمثال على ذلك نجد أن أفكار الفلاسفة وصلت إلينا عن طريق تدوينها في مؤلفات باستخدام اللغة وفي نفس السياق  نجد " دولاكروا" يقر أنه لا قيمة للفكر دون لغة ولا قيمة لها دون فكر , حيث يقول "إن الفكر يصنع اللغة وهي تصنعه "وهذا يعنى أن العلاقة بين اللغة والفكر  ليست علاقة علة بمعلول وإنما علاقة تداخل وتكامل وإلى جانب ذلك نجد "ميرلوبونتي"  يذهب إلى نفي وجود فكر خالص مقابل لغة تعبر عنه وأن ما نعتقد  أنه فكر محض هو في الواقع كلمات  عبرنا عنها  من قبل  حيث يقول "أن الفكر  لا يوجد خارج  العالم وبمعزل عن الكلمات ......إن الأفكار هي التي عبرنا عنها من قبل  " كما يقول أيضا " إن ما ندركه  إدراكا جيدا نعبر عنه تعبيرا واضحا "  والمقصود بهذا  أن القدرة على التفكير تؤدي بالضرورة إلى القدرة على التعبير ,إضافة إلى ذلك نجد أن" ماكس مولر "يقرأن  اللغة أوسع من أن وسيلة معبرة عن عواطف ودوافع الإنسان بل تتعدى إلى أن تكون حصنا يعبر عن خبايا الفكر ومكنوناته حيث يقول "ما كان للإنسان أن يقدمى اللغة حبا لها أو تعشقا لأنغامها وأجراسها وإنما لأنها سجل تفكيره "
وفي الأخير نجد "هاملتون" الذي  يقول "الألفاظ حصون المعاني"فالاعتقادبوجودنشاط فكري دون لغة هو مجرد توهم لأنه في الحقيقة تعلم اللغة مرهون بتعلم التفكير .
النقد :
لكن رغم مختلف حجج وبراهين هذا الاتجاه إلا أنه لو كانت اللغة قادرة على التعبير عما يدور في أذهاننا بدون عقدة فكيف نفسر عجزنا وفشلنا في إيجاد التعابير الملائمة لكثير من الأفكار ,وكثيرا ما تتزاحم الأفكار في ذهن الإنسان ولا يجد ما يعبر عنه ,وهدا ما يؤكد أن الفكر أوسع من اللغة .
التركيب:
نفهم مما سبق وبعد المبررات التي قدمها كل من الاتجاهينأن إشكالية العلاقةبيناللغةوالفكريمكنإيجادمنفذمنخلالاعتبارأنمنالافكارمايكونعلىقدرمنالبساطةالتييمكنللغةأنتحيطبهفيحينأنهمنالافكارالتيتكونشائكةالتعقيدأينتعجزاللغةعنمسايرتهاوهذاماأدىبفلاسفةاللغةإلىالبحثعنمجالجديدوأفقأخريكونهدفهالأساسيوغايتهالقصوىهيمدىتطوراللغةوجعلهاقادرةعلىاستعذابمضمونالفكر.
الخاتمة
نستنتج من كل ما سبق أن العلاقة بين اللغة والفكر هي في حقيقتها  علاقة تداخ وتكامل وبالرغم من التباين في الوظيفة إلا أنهما يشكلان كلا واحد غير قابل للتجزئة فلا عمل للفكر دون لغة ولاقيمة للغة دون فكر وأن البحث في العلاقة بين اللغة والفكر قد تجاوزتها الدراسات اللغوية  المعاصرة وبدأت تبحث عن حقل اخر يجعل للغة  وظائف اخرى لا تقتصر عن الفكر وحده وإنما مختلف مجالات الإنسان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق