الاثنين، 9 يوليو 2018

هل العملية الادراكية قوامها العقل ام التجربة الحسية

إن سعي الانسان إلى إدراك عالمه الخارجي من خلال تفسيره  وتأويله غاية منه لفهمه ومعرفته وصولا إلى التفاعل معه محققا بذلك مجالا للتكيف والتواصل كان هذا بالإستناد على آليات معرفية وعمليات مختلفة أين نجد من أهم وأعقد هذه العمليات الإدراك الذي بدوره يمثل الوظيفة العقلية العليا التي تعطي للإحساسات صدرتها المميزة ومعناها الخاص وتساهم  فيه عمليات آخري كالتذكر والتخيل والتأويل  وبهذا يتدخل فيها الحاضر بمعطياته الحسية والماضي بصوره وذكرياته  لكي تكسب المعطيات الحسية معنى لكن  في تفسير أساس ومصدر الإدراك  أثير جدل فكري بين العديد من إتجاهات والنطريات فاختلفت بذلك آرائهم فمنهم من يذهب إلى القول بالعقل كأساس للإدراك وذهب البعض الأخر الى القول بالتجربة الحسية لمصدر للإدراك  وفي ضل التباين يمكن طرح الإشكالية  هل يمكن اعتبار العقل أساس للعملية الإدراكية أم أن الحواس هي أساس الإدراك ؟ وبصيغة  آخرى هل العملية الإدراكية قوامها العقل أم التجربة الحسية ؟
:العرض
الموقف الأول
للإجابة عن هذه الإشكالية  يبرز هناك إتجاهين أساسين حيث يرى أنصار الاتجاهالأول  ممثلاية المدرسة العقلية ان العقل هو المصدر و الأساس الوحيد لمعارفنا الإدراكية وهو القوة الوحيدة القادرة على إدراك ماهيات الأشياء و الحواس  عاجزة عن إدراك حقيقة الأشياء و يمثل هذا الاتجاه  كل من وروني ديكارت والان  وإسبنوز  و تتمحور حججهم في إعتبار ان العقل يبدأ  با الاحساس و لكنه ينتهي بالتدرج و عن طريق التربية و التعليم الى التميز بين الأشياء .ويقر ديكارت بأنالإنسان  يولد وهو مزود بأفكار فطرية تكون منطلق في البحث المعرفي ويليح على القول ان الاحساسات لا تنطوي في حد  ذاتها على اي يقين و يقول’’ الحواس تخدعنا’’ ولهذا  فإن العقل هو المصحح و الموجه وهو أساس العملية الإدراكية ويقول ديكارت ’’اني أدرك بمحض ما في ذهني من قوة الحكم ما كنت احسب اني أراه بعيني’’ومن خلال هذا يفهم أن الحواس  تعرضنا للأخطاء وهذا ما أكده آلان في عملية إدراكنا للمكعب فنحن نرى الشكل و نحكم عليه أنه مكعب رغم أننا لا نرى سوى ثلاثة سطوح مربعين في حين أن للمكعب ستة سطوح مربعين متساوية و ينتهي آلان الى القول  بان ’’الشيء يعقل و لا يحس’’إضافة إلى ذألك أن المعرفة العقلية  تتجاوز المعرفة الحسية  ويظهر هذا في قوله ’’الادراك الصحيح معناه معرفة مسبقة للحركة التي سوف أقوم  بها  للوصول الى هذه الأعراض ’’
اما الفيلسوف الهولندي  اسبنوزا يرى أن إدراك العالم الخارجي يعني إدراك قوانين وهذا من خلال الحواس العقلي والحواس اعجزمن ان تتدرك العلاقات المختلفة  بين الظواهر كما أن ومن المظاهر التي نشاهدها من خلال صور او لوحات  فنية لها في الواقع  بعدين الطول و العرض ولكن العقل يدرك بعدا آخر  هو العمق و البروز وهو بدوره حكم عقلي و تأويل للمعطيات الحسية و يقول آلان’’الرسامون يعرفون كيف يهيئون لنا شروط ادراك المناظر’’
وبهذا ندرك الصور لا كما هي في الواقع وإنما حسب الإنطباع الذي يفعله الرسام
:النقد
لكن القول با العقل كأساس وحيد للعملية الإدراكية  في الحقيقة  إجحاف في  حق الحواس التي بدورها تمثل الواسطة الحقيقية بين الذات و الموضوع و إدراك العالم الخارجي بدون حوس ضرب من الخيال   كماانالقولبالأفكارالفطريةهوتصورلميرقىالىالعملية
:الموقف الثاني
وعلى خلاف الإتجاه الأول يظهر إتجاه آخر يرى انصاره أن الإحساس و التجربة الحسية هي أساس العملية الإدراكية وان إدراك العالم الخارجي يتم بالحواس باعتبارها القنوات التي يطل بها الإنسان على العالم الخارجي .ويعتبرون العقل قبل التجربة بانه صفحة بيضاء وليس هناك افكار فطرية ولا مبادئ اولية عقلية ويمثل هذا الاتجاه كل من’’جون لوك’’ ودافيد هيوم’’لاتوباسهوير’’
’’وجونستبورات ميل’لتبرير موقفهم  اعتمدوا على  عملية من الحجج و البراهين يمكن الاحاطة  بها من خلال عرضها و تحليلها اين نجد ان’ جون لوك’ هو اول من عبر عن هذا الموقف من خلال إعتقاده ان العقل الصغير يولد  صفحة بيضاء تنقشها التجربة الحسية كما تشاء .ويقول في هذا الصدد’’لا يوجد شيء في العقل ما لم يكن موجود  في التجربة ’’.و بهذا تصبح  الحواس و التجربة  الحسية مصدر الإدراك كما ان’ جون لوك’ يرفض فكرة فطرية الأفكار  الذي يدوره يبرره بالاختلاف الموجود بين الناس في العلم و الفرق في المعرفة وهذا التباين يدل على عدم فطرية المعرفة فلو كان كذلك  لتساوى الناس واتفقو في الأفكار و المعرفة و يظهر هذا في قوله’’ لو كان الناس يولدون وفي عقولهم افكار فطرية لتساور في المعرفة ’’
كما يقول أيضا’’ لنفرض ان العقل صفحة بيضاء خالية من جميع الصفات فكيف يمكن ان يكتسب الإنسان ذلك اني اجيب باختصار من التجربة ’’
اما’ دافيد هيوم’ فيرى ان أفكارنا ما هي إلا مجرد صور لانطباعاتنا الحية .و لا وجود لأي  فكرة خارجية عن نطاق المدركات الحسية بمعنى ان ادراكنا للأشياء نابع من الخبرة الحسية كما يرى أيضا ان النشاط العقلي يعود الى ترابط آلي في الظواهر نابع من التشابه في المعاني و التجاوز الزماني فإذا رأينا ظواهر متشابهة إعتقدنا ان السابق علة اللاحق.
ويقول في هذا’’ان علمنا بأنفسنا وعقولنا يصلنا عن طريق الحواس و ما العقل الا مجر اثر من اثار العادة’’.
و يرفض هيوم القول بأفكار فطرية سابقة عن التجربة ويعتبر ان الإدراك اساسه التجربة الحسية .
كما يذهب ’’هومر’’ الى القول ان كل موجود محسوس  وان الحواس مصدر الإدراك و ما سميه تخيل و عواطف ووجدانا ت مرجعها الحواس و اللذة و الألم وهي العقل .
واخيرا نجد أيضا ’’جون سنيورات ميل’’ الذي يوافق انصار المدرسة الحسية و يقر بالحواس  كأساس للإدراك  و يظهر هذا في قوله’’ إن البرهان الوحيد على ان الشيء مرئيهو ان الناس يرونه بالفعل .و الدليل الوحيد على ان الشيء مسموع هو ان يسمعونه بالفعل وهكذا في سائر التجربة عندنا ’’وبناءا علىهذا فإن المعارف الإدراكية  بشتى أنواعها مكتسبة من العالم الخارجي عن طريق الحواس
:النقد
لكن الفولبالحواس كمصدر رئيسي في ادراك العالم الخارجي امر مبالغ فيه ذلك ان الحواس في حقيقتها تنقل لنا كل ما هو ظاهر و عاجزة عن الوصول الى باطن الأشياء و الظواهر كما ان الحواس كثيرا ما تخطئ وتقدم لنا معارف جزفية وناقصة التي بدورها يقوم العقل بتقويمها و تصحيحها و تعديلها .
:التركيب
نفهم مما سبق انه تعددت وجهات النظر في تفسير اساس الإدراك فقد كان الاتجاه الأول يوجهه الى العقل و الاتجاه الثاني بوجهه الحواس و التجربة الحسية و  بالنظر إلى هذا نجد ان تفسيراتهم  كانت تعود الى اسس ذاتية و هذا ما جعلنا نستعين بموقف اخر يتجاوز الذات وهي النظرية  الجشطالتية  بزعامة كل من ’’كوفكا’’و ’’كوهلر’’ التي يتلخص موقفهما في إعتباران أساس الإدراك هو العوامل الموضوعية اي ان الصيغ الخارجية هي التي تفرض قوانينها علينا و تؤثر على إدراكنا بمعنى أن الموضوع الخارجي هو الذي يفرض  نفسه علينا ويرى كوفكا ان الإدراك يتحدد بالصورة الكلية للموضوع المدرك على اعتبار الأجزاء تأخذ صفاتها من الكل الموجودة فيها و بهذا فإن الكل هو الذي يحدد معنى عناصره او اجزائه ويقول في هذا الصدد’’كل ادراك هو تنظيم أصيل انه بنية تتعلق في داخلها الاجزاء بالكل’’
و بهذا فإن الموضوع الخارجي يخضع الى قوانين تسمى بقوانين الانتظام وهذه الأخيرة  . 
و بهذا فإن هذه القوانين مهمتها تنظيم الأجزاء  داخل الكل و كما قال كوهلر
’’الجزء لا يكتسب معناه الا داخل الكل’’
:الخاتمة
نستنتج من كل ما سبق ان الإدراك في حقيقته عملية شائكة ومعقدة خاصة فيما يتعلق بتغيير الأساس التي تقوم عليه فقد تعددت الأسس بتعدد خصائص الإنسان وكمحاولة لحل الإشكالية نجد ان العقل هو اساس العملية الإدراكية و العقل وحده غير كاف فهو دائما يستند الى التجربة الحسية كوسيلة لنقل مختلف المثيرات وكذلك الذات لا يمكنها ان تستوفي شروط الإدراك وهذا في غيال الموضوع الخارجي بما يحتويه من نظام و قوانين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق